فصل: حوادث سنة سبع وثلاثين ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  حوادث سنة ثلاث وثلاثين ومائتين

  ذكر القبض على محمد بن عبد الملك

وفي هذه السنة قبض المتوكل على محمد بن عبد الملك الزيات وحبسه لسبع خلون من صفر‏.‏

وكان سببه أن الواثق استوزر محمد بن عبد الملك وفوض الأمور كلها إليه وكان الواثق قد غضب على أخيه جعفر المتوكل ووكل عليه من يحفظه ويأتيه بأخباره فأتى المتوكل إلى محمد بن عبد الملك يسأله أن يكلم الواثق ليرضى عنه فوقف بين يديه لا يكلمه ثم أشار عليه بالقعود فقعد فلما فرغ من الكتب التي بين يديه التفت إليه كالمتهدد وقال‏:‏ ما جاء بك قال‏:‏ جئت أسأل أمير المؤمنين الرضى عني فقال لمن حوله‏:‏ انظروا يغضب أخيه ثم يسألني أن أسترضيه له‏!‏ اذهب فإذا صلحت رضي عنك‏.‏

فقام من عنده حزين فأتى أحمد بن أبي دؤاد فقام إليه أحمد واستقبله على باب البيت وقبله وقال‏:‏ ما حاجتك جعلت فداك‏!‏ قال‏:‏ جئت لتسترضي أمير المؤمنين لي قال‏:‏ أفعل ونعمة عين وكرامة‏!‏ فكلم أحمد الواثق به فوعده ولم يرض عنه ثم كلمه فيه ثانية فرضى عنه وكساه‏.‏

ولما خرج المتوكل من عند ابن الزيات كتب إلى الواثق‏:‏ إن جعفرًا أتاني في زي المخنثين له شعر بقفاه يسألني أن أسأل أمير المؤمنين الرضى عنه فكتب إليه الواثق‏:‏ ابعث إليه فأحضره ومر من يجز شعر قفاه فيضرب به وجهه‏.‏

قال المتوكل‏:‏ لما أتاني رسوله لبست سوادًا جديدا وأتيته رجاء أن يكون قد أتاه الرضى عني فاستدعى حجاما فأخذ شعري على السواد الجديد ثم ضرب به وجهي فلما ولي الخلافة المتوكل أمهل حتى كان صفر فأمر إيتاخ بأخذ الزيات وتعذيبه فاستحضر فركب يظن أن الخليفة يستدعيه فلما حاذى منزل إيتاخ عدل به إليه فخاف فأدخله حجرة ووكل عليه وأرسل إلى منازله من أصحابه من هجم عليها وأخذ كل ما فيها واستضفى أمواله وأملاكه في جميع البلاد‏.‏

وكان شديد الجزع كثير البكاء والفكر ثم سوهر وكان ينخس بمسلة لئلا ينام ثم ترك فنام يومًا وليلة ثم جعل في تنور عمله هو وعذب ه ابن أسماط المصري وأخذ ماله فكان من خشب فيه مسامير من حديد أطرافها إلى داخل التنور وتمنع من يكون فيه من الحركة وكان ضيقًا بحيث أن الإنسان كان يمد يديه إلى فوق رأسه ليقدر على دخوله لضيقه ولا يقدر من يكون فيه يجلس فبقي أياما فمات‏.‏

وكان حبسه لسبع خلون من صفر وموته لإحدى عشرة بقيت من ربيع الأول واختلف في سبب موته فقيل كما ذكرناه وقيل بل ضرب فمات وهويضرب وقيل مات بغر ضرب وهوأصح‏.‏

فلما مات حضره ابناه سليمان وعبيد الله وكانا محبوسين وطرح على الباب في قميصه الذي حبس فيه فقالا‏:‏ الحمد لله الذي أراح من هذا الفاسق‏!‏ وغسلاه على الباب ودفناه فقيل إن الكلاب نبشته وأكلت لحمه‏.‏

قال‏:‏ وسمع قبلموته يقول لنفسه‏:‏ يا محمد لم تقنعك النعمة والدواب والدار النظيفة والكسوة الفاخرة وأنت في عافية حتى طلبت الوزارة ذق ما عملت بنفسك‏.‏

ثم سكت عن ذلك وكان لا يزيد على التشهد وذكر الله عز وجل‏.‏

وكان ابن الزيات صديقًا لإبراهيم الصولي فلما ولي الوزارة صادره بألف ألف وخمس مائة وكنت أخي برخاء الزمان فلما نبا صرت حربًا عوانًا وكنت أذم إليك الزمان فأصبحت منك أذم الزمانا وكنت أعدك للنائبات فها أنا أطلب منك الأمانا وقال أيضًا‏:‏ أصبحت من رأي أبي جعفر في هيئة تنذر بالصيلم من غير ما ذنب ولكنها عداوة الزنديق للمسلم

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة حبس عمر بن الفرج الرخجي وكان سبب ذلك أن المتوكل أتاه لما كان أخوه الواثق ساخطًا عليه ومعه صك ليختمه عمر له ليقبض أرزاقه من بيت المال فلقيه عمر بالخيبة وأخذ صكه فرمى به إلى صحن المسجد وكان حبسه في شهر رمضان وأخذ ماله وأثاث بيته وأصحابه ثم صولح على أحد عشر ألف ألف على أن يرد عليه ما حيز من ضياع الأهواز حسب فكان قد ألبس في حبسه حبة صوف‏.‏

قال علي بن الجهم يهجوه‏:‏ جمعت أمرين ضاع الحزم بينهما تيه الملوك وأفعال الصعاليك

وفيها غضب المتوكل على سليمان بن إبراهيم بن الجنيد النصراني كاتب سمانه وضربه وأخذ ماله وغضب أيضًا على أبي الوزير وأخذ ماله ومال أخيه وكتبه‏.‏

وفيها أيضًا عزل الفضل بن مروان عن ديوان الخراج وولاه يحيى بن خاقان الخراساني مولى الأزد وولى إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول ديوان زمام النفقات‏.‏

وفيها ولى المتوكل ابنه المنتصر الحرمين واليمن والطائف في رمضان‏.‏

وفيها فلج أحمد بن دؤاد في جمادى الآخرة‏.‏

وفيها وثق ميخائيل بن توفيل بأمه تدورة فألزمها الدير وقتل اللقط لأنه كان اتهمها به فكان ملكها ست سنين وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود‏.‏

وفيها عزل محمد بن الأغلب أمير إفريقية عامله على الزاب واسمه سالم ابن غلبون فأقبل يريد القيروان فلما صار بقلعة يلبسير أضمر الخلاف وسار إلى الأربس فمنعه أهلها من الدخول إليها فسار إلى باجة فدخلها واحتمى بها فسير إليه ابن الأغلب جيشًا عليهم خفاجة بن سفيان فنزل عليه وقاتله فهرب سالم ليلا فاتبعه خفاجة فلحقه وقتله وحمل رأسه إلى ابن الأغلب وكان أزهر بن سالم عند ابن الأغلب محبوسًا فقتله‏.‏

وفيها توفي يحيى بن معين البغدادي بالمدينة وكان مولده سنة ثمان وخمسين ومائة وهوصاحب

الجرح والتعديل ومحمد بن سماعة القاضي صاحب محمد بن الحسن وقد بلغ مائة سنة وهوصحيح الحواس‏.‏

  حوادث سنة أربع وثلاثين ومائتين

  ذكر هرب محمد بن البعيث

في هذه السنة هرب محمد بن البعيث بن الجليس وكان سبب هربه أنه جيء به أسيرًا من أذربيجان إلى سامرا وكان له رجل يخدمه يسمى خليفة وكان المتوكل مريضا فاخبر خليفة ابن البعيث أن المتوكل مات فهربا إلى موضعه من أذربيجان وهومرند وقيل كان له قلعة شاهي وقلعة يكدر‏.‏

وقيل إن ابن البعيث كان في حبس إسحاق بن إبراهيم بن مصعب فتكلم فيه بغا الشرابي فاخذ منه الكفلاء نحوًا من ثلاثين كفيلًا منهم محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني فكان يتردد بسامرا فهرب إلى مرند وجمع بها الطعام وهي مدينة حصينة وفيها عيون ماء ولها بساتين كثيرة داخل البلد‏.‏

وأتاه من أراد الفتنة من ربيعة وغيرهم فصار في نحومن ألفين ومائتي رجل وكان الوالي بأذربيجان محمد بن حاتم بن هرثمة فقصر في طلبه فولى المتوكل حمدويه بن علي بن الفضل السعدي أذربيجان وسيره على البريد وجمع الناس وسار إلى ابن البعيث فحصره في مرند فلما طالت مدة الحصار بعث المتوكل التركي في مائتي فارس من الأتراك فلم يصنع شيئا فوجه إليه المتوكل عمر بن سيسيل بن كال في تسع مائة فارس فلم يغن شيئًا فوجه بغا الشرابي في ألفي فارس‏.‏

وكان حمدويه وابن سيسيل وزيرك قد قطعوا من الشجر الذي حول مرند نحومائة ألف شجرة ونصبوا عليها عشرين منجنيقا ونصب ابن البعيث عليهم مثل ذلك فلم يقدروا على الدنومن سور المدينة فقتل من أصحاب المتوكل في حربه في ثمانية أشهر نحومن مائة رجل وجرح نحوأربع مائة وأصاب أصحابه مثل ذلك وكان حمدريه وعمر وزيرك يغادونه القتال ويراوحونه وكان أصحابه يتدلون بالحبال من السور معهم الرماح فيقاتلون فإذا حمل عليهم أصحاب الخليفة تجاروا إلى السور وحموا نفوسهم فكانوا يفتحون الباب فيخرجون فيقاتلون ثم يرجعون‏.‏

ولما قرب بغا الشرابي من مرند بعث عيسى بن الشيخ بن الشليل ومعه أمان لوجوه أصحاب ابن البعيث أن ينزلوا وأمان للابن البعيث أن ينزل على حكم المتوكل فنزل من أصحابه خلق كثير بالأمان ثم فتحوا باب المدينة فدخل أصحاب المتوكل وخرج ابن البعيث هاربا فلحقه

قوم من الجند فأخذوه أسيرا وانتهب الجند منزله ومنازل أصحابه وبعض منازل أهل المدينة ثم نودي بالأمان وأخذوا لابن البعيث أختين وثلاث بنات وعدة من السراري ثم وافاهم بغا الشرابي من غد فأمر فنودي بالمنع من النهب وكتب بالفتح لنفسه وأخ ابن البعيث إليه‏.‏

  ذكر إيتاخ وما صار إليه أمره

كان إيتاخ غلامًا حوريًا طباخًا لسلام الأبرش فاشتراه منه المعتصم في سنة تسع وتسعين ومائة وكان فيه شجاعة فرفعه المعتصم والواثق وضم إليه أعمالًا كثيرة منها المعونة بسامرا مع إسحاق بن إبراهيم‏.‏

وكان المعتصم إذا أراد قتل أحد فعند إيتاخ يقتل وبيده فحبس منهم أولًا المأمون بن سندس وابن الزيات وصالح بن عجيف وغيرهم وكان مع المتوكل في مرتبته وإليه الجيش والمغاربة والأتراك والأموال والبريد والحجابة ودار الخلافة‏.‏

فلما تمكن المتوكل من الخلافة شرب فعربد على إيتاخ فهم إيتاخ بقتله فلما أصبح المتوكل قيل له فاعتذر إليه وقال‏:‏ أنت أبي وأنت ربيتني ثم وضع عليه من يحسن له الحج فاستأذن فيه المتوكل فأذن له وصيره أمير كل بلد يدله وخلع عليه وسار العسكر جميعه بين يديه فلما فارق جعلت الحجابة إلى وصيف في ذي العقدة وقيل إن هذه القصة كانت سنة ثلاث وثلاثين ومائتين‏.‏

  ذكر الخلف بإفريقية

في هذه السنة خرج عمروبن سليم التجيبي المعروف بالقويع على محمد ابن الأغلب أمير إفريقية فسير إليه جيشًا فحصره بمدينة تونس هذه السنة فلم يبلغوا منه غرضا فعادوا عنه‏.‏

فلما دخلت سنة خمس وثلاثين سير إليه ابن الأغلب جيشًا فالتقوا بالقرب من تونس ففارق جيش ابن الإلب جمع كثير وقصدوا القويع فصاروا معه فانهزم جيش ابن الأغلب وقوي القويع فلما دخلت سنة ست وثلاثين سير محمد بن الأغلب إليه جيشا فاقتتلوا فانهزم القويع وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة وأدرك القويع إنسان فضرب عنقه ودخل جيش ابن الأغلب مدينة تونس بالسيف في جمادى الأولى‏.‏

  ذكر عدة حوادث

حج بالناس هذه السنة محمد بن داود بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس‏.‏

وفيها توفي جعفر بن مبشر بن أحمد الثقفي المتكلم أحد المعتزلة البغداديين وله مقالة يتفرد

وفيها توفي أبوخيثمة زهير بن حرب في شعبان وكان حافظًا للحديث وأبوأيوب سليمان بن داود بن بشر المقرئ البصري المعروف بالشاذكوني بأصبهان‏.‏

وفيها توفي علي بن عبد الله بن جعفر المعروف المديني الحافظ وقيل سنة خمس وثلاثين ومائتين وهوإمام ثقة وكان والده ضعيفًا في الحديث وإسحاق ابن إسماعيل الطالقاني ويحيى بن أيوب المقابري وأبوبكر بن أبي شيبة وأبوالربيع الزهراني‏.‏

  حوادث سنة خمس وثلاثين ومائتين

  ذكر قتل إيتاخ

قد ذكرنا ما كان منه مع المتوكل وسبب حجه فلما عاد من مكة كتب المتوكل إلى إسحاق بن إبراهيم ببغداد يأمره بحبسه وأنفذ المتوكل كسوة وهدايا إلى طريق إيتاخ فلما قرب إيتاخ من بغداد خرج إسحاق بن إبراهيم إلى لقائه وكان إيتاخ أراد المسير على الأنبار إلى سامرا فكتب إليه إسحاق‏:‏ إن أمير المؤمنين قد أمر أن تدخل بغداد وأن يلقاك بنوهاشم ووجوه الناس وأن تقعد لهم في دار خزيمة بن خازم وتأمر لهم بالجوائز‏.‏

فجاء إلى بغداد فلقيه إسحاق بن إبراهيم فلما رآه إسحاق أراد النزول له فحلف عليه إيتاخ أن لا يفعل وكان في ثلاثمائة من غلمانه وأصحابه فلما صار بباب دار خزيمة وقف إسحاق وقال له‏:‏ أصلح الله الأمير ليدخل‏!‏ فدخل إيتاخ ووقف إسحاق على الباب فمنع أصحابه من الدخول عليه ووكل بالأبواب وأقام عليه الحرس فحين رأى إيتاخ ذلك قال‏:‏ قد فعلوها ولولم يفعلوا ذلك ببغداد ما قدروا عليه وأخذوا معه ولديه منصورا ومظفرا وكاتبيه سليمان بن وهب وقدامة بن زياد فحبسوا ببغداد أيضًا‏.‏

وأرسل إيتاخ إلى إسحاق‏:‏ قد علمت ما أمرني به المعتصم والواثق في أمرك وكنت أدافع عنك فليشفعني ذلك عندك في ولدي فأما أنا فقد مر بي شدة ورخاء فما أبالي ما أكلت وما شربت وأما هذان الغلامان فلم يعرفا البؤس فاجعل لهما طعامًا يصلحهما‏.‏

ففعل إسحاق ذلك وقيد إيتاخ وجعل في عنقه ثمانين رطلا فمات في جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين ومائتين وأشهد إسحاق جماعة من الأعيان أنه لا ضرب به ولا اثر‏.‏

وقيل كان سبب موته أنهم أطعموه ومنعوه الماء حتى مات عطشًا وأما ولداه فإنهما بقيا محبوسين حياة المتوكل فلما ولي المنتصر أخرجهما فأما مظفر فبقي بعد أن خرج من السجن ثلاثة أشهر ومات وأما منصور فعاش بعده‏.‏

في هذه السنة قدم بغا الشرابي بابن البعيث في شوال وبخليفته أبي الأغر وبأخويه صقر وخالد وكاتبه العلاء وجماعة من أصحابه فلما قربوا من سامرا حملوا على الجمال ليراهم الناس فلما أحضر ابن البعيث بين يدي المتوكل أمر بضرب عنقه فجاء السياف وسبه المتوكل وقال‏:‏ ما دعاك إلى ما صنعت قال‏:‏ الشقوة وأنت الحبل الممدود بين الله وبين خلقه وإن لي فيك لظنين أسبقهما إلى قلبي أولاهما بك وهوالعفو ثم قال بلا فصل‏:‏ أبى الناس إلا أنك اليوم قاتلي إمام الهدى والصفح بالمرء أجمل وهل أنا إلا جبلة من خطيئة وعفوك من نور النبوة يجبل فإنك خير السابقين إلى العلى ولا شك أن خير الفعالين تفعل فقال المتوكل لبعض أصحابه‏:‏ إن عنده لأدبا فقال‏:‏ بل يفعل أمير المؤمنين ويمن عليه فأمر برده فحبس مقيدا وقيل إن المعتز شفع فيه إلى أبيه فأطلقه وكان ابن البعيث قد قال حين هرب‏:‏ كم قد قضيت أمورًا كان أهملها غيري وقد أخذ الإفلاس بالكظم لا تعذليني فما لي ليس ينفعني إليك عني جرى المقدار بالقلم سأتلف المال في عسر وفي يسر إن الجواد الذي يعطي على العدم ومات ابن البعيث بعد دخوله سامرا بشهر قيل كان قد جعل في عنقه مائة رطل لم يزل على وجهه حتى مات وجعل بنوه‏:‏ جليس وصقر والبعيث في عداد الشاكرية مع عبيد الله بن يحيى بن خاقان‏.‏

  ذكر البيعة لأولاد المتوكل بولاية العهد

في هذه السنة عقد المتوكل البيعة لبنيه الثلاثة بولاية العهد وهم‏:‏ محمد ولقبه المنتصر بالله وأبوعبد اله محمد وقيل طلحة وقيل الزبير ولقبه المعتز بالله وإبراهيم ولقبه المؤيد بالله وعقد لكل واحد منهم لواءين‏:‏ أحدهما أسود ووهولواء العهد والآخر أبيض وهولواء العمل فأعطى كل واحد منهم ما نذكره‏.‏

فأما المنتصر فأقطعه إفريقية والمغرب كله والعواصم وقنسرين والثغور جميعها الشامية والجزرية وديار مضر وديار ربيعة والموصل وهيت وعانة والأنبار والخابور وكور باجرمى وكور دجلة وطساسيج السواد جميعها والحرمين واليمن وحضر موت واليمامة والبحرين والسند ومكرا وقندابيل وفرج بيت الذهب وكور الأهواز والمستغلات سامرا وماه الكوفة وماه البصرة وماسبذا ومهرجانقذق وشهرزور والصامغان وأصبهان وقم وققاشان والجبل جميعه وصدقات العرب بالبصرة‏.‏

وأما المعتز فأقطعه خراسان وما يضاف إليها وطبرستان والري وأرمينية وأذربيجان وكور فارس ثم أضاف إليه في سنة أربعين خزن الأموال في جميع الآفاق ودور الضرب وأمر أن يضرب اسمه على الدراهم‏.‏

وأما المؤيد فأقطعه جند حمص وجند دمشق وجند فلسطين‏.‏

  ذكر ظهور رجل ادعى النبوة

وفيها ظهر بسامرا رجل يقال له محمود بن الفرج النيسابوري فزعم أنه نبي وأنه ذوالقرنين وتبعه سبعة وعشرون رجلا وخرج من أصحابه من بغداد رجلان بباب العامة وآخران بالجانب الغربي فأتي به وبأصحابه المتوكل فأمر به فضرب ضربًا شديدا وحمل إلى باب العامة فأكذب نفسه وأمر أصحابه أن يضربه كل رجل منهم عشر صفعات ففعلوا واخذوا له مصحفًا فيخ كلام قد جمعه وذكر أنه قرآن وأن جبرائيل نزل له ثم مات من الضرب في ذي الحجة وحبس أصحابه وكان فيهم شيخ يزعم أنه نبي وأن الوحي يأتيه‏.‏

  ذكر ما كان بالأندلس

من الحوادث وفي هذه السنة خرج عباس بن وليد المعروف بالطبلي بنواحي تدمير لمحاربة جمع اجتمعوا وقدموا على أنفسهم رجلًا اسمه محمد بن عيسى بن سابق فوطئ عباس بلدهم وأوقع بهم وأصلحهم وعاد‏.‏

وفيها ثار أهل تاكرنا ومن يليهم من البربر فسار إليهم جيش عبد الرحمن صاحب الأندلس فقاتلهم وأوقع بهم وأعظم النكاية فيهم‏.‏

وفيها سير عبد ارحمن ابنه المنذر في جيش كثيف لغزوالروم فبلغوا ألبه‏.‏

وفيها كان سيل عظيم في رجب في بلاد الأندلس فخرب جسر استجبة وخرب الأرحاء وغرق نهر إشبيلية ست عشرة قرية وخرب نهر تاجة ثماني عشرة قرية وصار عرضه ثلاثين ميلا وكان هذا حدثًا عظيمًا وقع في جميع البلاد في شهر واحد‏.‏

وفيها هلك ردمير بن أذفونس في رجب وكانت ولايته ثمانية أعوام‏.‏

وفيها هلك أبوالسول الشاعر سعيد بن يعمر بن علي بسرقسطة‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفي هذه السنة أمر المتوكل أهل الذمة بلبس الطيالسة العسلية وشد الزنانير وركوب السروج بالركب الخشب وعمل كرتين في مخر السروج وعمل رقعتين على لباس مماليكهم مخالفتين لون الثوب كل واحدة منهما قدر أربع أصابع ولون كل واحدة منهما غير لون الأخرى ومن خرج من نسائهم تلبس إزارًا عسليا ومنعهم من لباس المناطق وأمر بهدم بيعهم المحدثة وبأخذ العشر من منازلهم وأن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب ونهى أن يستعان بهم في أعمال السلطان ولا يعلمهم مسلم وأن يظهروا في شعانينهم صليبا وأن يستعملوه في الطريق وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض وكتب في ذلك إلى الآفاق‏.‏

وفيها توفي إسحاق بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب المصعبي وهوابن أخي طاهر بن الحسين وكان صاحب الشرطة ببغداد أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل ولما مرض أرسل إليه المتوكل ابنه المعتز مع جماعة من القواد يعودونه وجزع المتوكل لموته‏.‏

وفيها مات الحسن بن سهل كان شرب دواء فأفرط عليه فحبس الطبع فمات وكان موته وموت إسحاق بن إبراهيم في ذي الحجة في يوم واحد وقيل مات الحسن في سنة ست وثلاثين‏.‏

ة فيها في ذي الحجة تغير ماء دجلة إلى الصفرة ثلاثة أيام ففزع الناس ثم صار في لون ماء المدود‏.‏

وفيها أتى المتوكل يحيى بن عمر بن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام‏.‏

وكان قد جمع ببعض النواحي فاخذ وحبس وضرب وحج بالناس هذه السنة

وفيها مات إسحاق بن إبراهيم الموصلي صاحب الألحان والغناء وكان فيه علم وأدب وله شعر جيد وعبيد اله بن عمر بن ميسرة الجشمي القواريري في ذي الحجة وإسماعيل بن علية ومنصور بن أبي مزاحم وسريج بن يونس أبوالحرث‏.‏

سريج بالسين المهملة والجيم‏.‏

  حوادث سنة ست وثلاثين ومائتين

  ذكر مقتل محمد بن إبراهيم

في هذه السنة قتل محمد بن إبراهيم بن مصعب أخو إسحاق بن إبراهيم‏.‏

وكان سبب ذلك أن إسحاق أرسل ولده محمد بن إسحاق بن إبراهيم إلى باب الخليفة ليكون نائبًا عنه ببابه فلما مات إسحاق عقد المعتز لابنه محمد بن إسحاق على فارس وعقد له المنتصر على اليمامة والبحرين وطريق مكة في المحرم من هذه السنة وضم إليه المتوكل أعمال أبيه كلها وحمل إلى المتوكل وأولاده من الجواهر التي كانت لأبيه والأشياء النفسية كثيرًا‏.‏

وكان عمه محمد بن إبراهيم على فارس فلما بلغه ما صنع المتوكل وأولاده بابن أخيه ساءه ذلك وتنكر للخليفة ولابن أخيه فشكا محمد بن إسحاق ذلك إلى المتوكل فأطلقه في عمه ليفعل به ما يشاء فعزله عن فارس واستعمل مكانه ابن عمه الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب وأمره بقتل عمه محمد بن إبراهيم‏.‏

فلما سار الحسين إلى فارس أهدى إلى عمه يوم النيروز هدايا وفيها حلوى فأكل محمد منهأن وأدخله الحسين بيتا ووكل عليه فطلب الماء ليشرب فمنع منه فمات بعد يومين‏.‏

  ذكر ما فعله المتوكل بمشهد الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه السلام

في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي عليه السلام وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يبذر ويسقى موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه فنادى عامل صاحب الشرطة بالناس في تلك الناحية‏:‏ من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق‏!‏ فهرب الناس وتركوا زيارته وحرث وزرع‏.‏

وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولأهل بيته وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى عليًا وأهله بأخذ المال والدم وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث وكان يشد على بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهوأصلع ويرقص بين يدي المتوكل قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين‏.‏يحكي بذلك عليا عليه السلام والتوكل يشرب ويضحك ففعل ذلك يوما والمنتصر حاضر فأومأ إلى عبادة يتهدده فسكت خوفًا منه فقال المتوكل‏:‏ ما حالك فقام واخبره فقال المنتصر‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكاتب ويضحك منه الناس هوابن عمك وشيخ أهل بيتك وبه فخرك فكل أنت لحمه إذا شئت ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه‏!‏ فقال المتوكل للمغنين‏:‏ غنوا جميعا‏:‏ غار الفتى لابن عمه رأس الفتى في حر أمه فكان هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل‏.‏

وقيل إن المتوكل كان يبغض من تقدمه من الخلفاء‏:‏ المأمون والمعتصم والواثق في محبة علي وأهل بيته وإمنا كان ينادمه ويجالسه جماعة ن اشتهروا بالنصب والبغض لعلي منهم‏:‏ علي بن الجهم الشاعر الشامي من بني شامة ابن لؤي وعمر بن فرح الرخجي وأبوالسمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أمية وعبد الله بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بابن أترجة‏.‏

وكانوا يخوفونه من العلويين ويشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم والإساءة إليهم ثم حسنوا

له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علومنزلتهم في الدين ولم يبرحوا به حتى ظهر منه ما كان فغطت هذه السيئة جميع حسناته وكان من أحسن الناس سيرة ومنع الناس من القول بخلق القرآن إلى غير ذلك من المحاسن‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة استكتب المتوكل عبيد الله بن يحيى بن خاقان‏.‏

وفيها حج المنتصر بالله وحجت معه جدته أم المتوكل‏.‏

وفيها هلك أبوسعيد محمد بن يوسف الروزي فجأة وكان عقد له على أرمينية وأذربيجان فلبس أحد خفيه ومد الآخر ليلبسه فمات فولى المتوكل ابنه يوسف ما كان إلى أبيه من الحرب وولاه خراج الناحية فسار إليها وضبطها وحج بالناس هذه السنة المنتصر‏.‏

وفيها خرج حبيبة البربري بالأندلس بجبال الجزيرة واجتمع إليه جمع كثير فأغاروا واستطالوا فسار إليهم جيش من عبد الرحمن فقاتلهم فهزمهم فتفرقوا‏.‏

وفيها غزا جيش بالأندلس بلاد برشلونة فقتلوا من أهلها فأكثروا وأسروا جمًا غفيرا وغمنوا وعادوا سالمين‏.‏

وفيها توفي مصعب بن عبد اله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ابن العوام أبوعبد الله المدني وكان عمره ثمانين سنة وهوعم الزبير بن بكار وكان عالمًا فقيها إلا أنه كان منحرفًا عن علي عليه السلام‏.‏

وفيها أيضًا توفي منصور بن المهدي ومحمد بن إسحاق بن محمد المخزومي المسيبي البغدادي وكان ثقة‏.‏

وفيها توفي جعفر بن حرب الهمذاني أحد أئمة المعتزلة البغداديين وعمره تسع وخمسون سنة وأخذ الكلام عن ابن أبي الهذيل العلاف البصري‏.‏

  حوادث سنة سبع وثلاثين ومائتين

  ذكر وثوب أهل أرمينية بعاملهم

في هذه السنة وثب أهل أرمينية بعاملهم يوسف بن محمد فقتلوه‏.‏

وكان سبب ذلك أن يوسف لما سار إلى أرمينية خرج إليه بطريق له بقراط بن أشوط ويقال له بطريق البطارقة يطلب الأمان فأخذه يوسف وابنه نعمة فسيرهما إلى باب الخليفة فاجتمع بطارقة أرمينية مع ابن أخي بقراط بن أشوط وتحالفوا عن قتل يوسف ووافقهم على ذلك

موسى بن زرارة وهوصهر بقراط على ابنته فأتى الخبر يوسف ونهاه أصحابه عن المقام بمكانه فلم يقبل فلما جاء الشتاء ونزل الثلج مكثوا حتى سكن الثلج ثم أتوه وهوبمدينة طرون فحصروه بها فخرج إليهم من المدينة فقاتلهم فقتلوه وكل من قاتل معه وأما من لم يقاتل معه فقالوا له‏:‏ انزع ثيابك وانج بنفسك عريانا ففعلوا ومشوا حفاة عراة فهلك أكثرهم من البرد وسقطت أصابع كثير منهم ونجوا وكان ذلك في رمضان‏.‏

وكان يوسف قبل ذلك قد فرق أصحابه في رساتيق عمله فوجه إلى كل طائفة منهم طائفة من البطارقة فقتلوهم في يوم واحد‏.‏

فلما بلغ المتوكل وجه بغا الكبير إليهم طالبًا بدم يوسف فسار إليهم على الموصل والجزيرة فبدأ بأرزن وبها موسى بن زرارة وله إخوة‏:‏ إسماعيل وسليمان وحمد وعيسى ومحمد وهارون فحمل بغا موسى بن زرارة إلى المتوكل وأباح قتلة يوسف فقتل منهم زهاء ثلاثين ألفا وسبى منهم خلقًا كثيرا فباعهم وسار إلى بلاد الباق فأسر أشوط بن حمزة أبا العباس صاحب الباق والباق من كورة البسفرجان ثم سار إلى مدينة دبيل من أرمينية فأقام بها شهرا ثم سار إلى تفليس فحصرها‏.‏

وفيها غضب المتوكل على احمد بن أبي دؤاد وقبض ضياعه وأملاكه وحبس ابنه أبا الوليد وسائر أولاده فحمل أبوالوليد مائة ألف وعشرين ألف دينار وجواهر قيمتها عشرون ألف دينار ثم صولح بعد ذلك على ستة عشر ألف ألف درهم وأشهد عليهم جميعًا ببيع أملاكهم‏.‏

وكان أبوهم أحمد بن أبي دؤاد قد فلج وأحضر المتوكل يحيى بن أكثم من بغداد إلى سامرا ورضي عنه وولاه قضاء القضاة ثم ولاه المظالم فولى يحيى بن أكثم قضاء الشرقية حيان بن بشر وولى سوار بن عبد الله العنبري قضاء الجانب الغربي وكلاهما أعور فقال الجماز‏:‏ رأيت من الكبائر قاضيين هما أحدوثة في الخافقين هما اقتسما العمى نصفين قدرًا كما اقتسما قضاء الجانبين وتحسب منهما من هز رأسًا لينظر في مواريث ودين كأنك قد وضعت عليه دنًا فتحت بزالة من فرد عين هما فأل الزمان بهلك يحيى إذا افتتح القضاء بأعورين